فصل: تفسير الآيات رقم (36- 45)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 35‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ‏(‏16‏)‏ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ‏(‏17‏)‏ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ‏(‏18‏)‏ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ‏(‏19‏)‏ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ‏(‏20‏)‏ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ‏(‏21‏)‏ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ‏(‏22‏)‏ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ‏(‏23‏)‏ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ‏(‏24‏)‏ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ‏(‏25‏)‏ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ‏(‏26‏)‏ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ‏(‏27‏)‏ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ‏(‏28‏)‏ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ‏(‏29‏)‏ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ‏(‏30‏)‏ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ‏(‏31‏)‏ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ‏(‏32‏)‏ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ‏(‏33‏)‏ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ‏(‏34‏)‏ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ‏(‏35‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ‏}‏ هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية، والمراد بالإنسان‏:‏ الجنس، وقيل‏:‏ آدم، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفيّ، والمراد بها هنا‏:‏ ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره، أي‏:‏ نعلم ما يخفي، ويكنّ في نفسه، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفيّ قول الأعشى‏:‏

تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت *** فاستعمل لما خفي من حديث النفس ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد‏}‏ هو حبل العاتق، وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان من عن يمين وشمال‏.‏ وقال الحسن‏:‏ الوريد‏:‏ الوتين، وهو عرق معلق بالقلب، وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان، أي‏:‏ نحن أقرب إليه من حبل وريده، والإضافة بيانية، أي‏:‏ حبل هو الوريد‏.‏ وقيل‏:‏ الحبل هو نفس الوريد، فهو من باب مسجد الجامع‏.‏ ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان، ويحفظان عليه عمله إلزاماً للحجة فقال‏:‏ ‏{‏إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان‏}‏ الظرف منتصب بما في ‏{‏أَقْرَبُ‏}‏ من معنى الفعل، ويجوز أن يكون منصوباً بمقدّر هو اذكر، والمعنى‏:‏ أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى ‏{‏المتلقيان‏}‏، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به، وما يعمل به، أي‏:‏ يأخذان ذلك ويثبتانه، والتلقي‏:‏ الأخذ، أي‏:‏ نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به، وإنما جعلنا ذلك إلزاماً للحجة، وتوكيداً للأمر‏.‏ قال الحسن، وقتادة، ومجاهد‏:‏ المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك‏.‏ وقال مجاهد أيضاً‏:‏ وكل الله بالإنسان ملكين بالليل، وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره ‏{‏عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ‏}‏ إنما قال ‏{‏قعيد‏}‏، ولم يقل قعيدان وهما اثنان؛ لأن المراد‏:‏ عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه، كذا قال سيبويه كقول الشاعر‏:‏

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راض والرأي مختلف

وقال الفرزدق‏:‏

وأتى وكان وكنت غير عذور *** أي‏:‏ وكان غير عذور، وكنت غير عذور، وقال الأخفش، والفراء‏:‏ إن لفظ قعيد يصلح للواحد والاثنين والجمع ولا يحتاج إلى تقدير في الأوّل‏.‏ قال الجوهري، غيره من أئمة اللغة والنحو‏:‏ فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس ‏{‏مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ ما يتكلم من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه إلاّ لديه أي‏:‏ لدى ذلك اللافظ رقيب أي‏:‏ ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب‏:‏ الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشرّ ملك الشمال‏.‏ والعتيد‏:‏ الحاضر المهيأ‏.‏

قال الجوهري‏:‏ العتيد الحاضر المهيأ، يقال‏:‏ عتده تعتيداً وأعتده اعتداداً أي‏:‏ أعده، ومنه ‏{‏وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 31‏]‏ والمراد هنا‏:‏ أنه معدّ للكتابة مهيأ لها ‏{‏وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ‏}‏ لما بيّن سبحانه أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت، والمراد بسكرة الموت‏:‏ شدّته وغمرته التي تغشى الإنسان، وتغلب على عقله، ومعنى ‏{‏بالحق‏}‏‏:‏ أنه عند الموت يتضح له الحق، ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والوعد والوعيد، وقيل‏:‏ الحق هو الموت، وقيل‏:‏ في الكلام تقديم وتأخير، أي‏:‏ وجاءت سكرة الحق بالموت، وكذا قرأ أبو بكر الصديق، وابن مسعود‏.‏ والسكرة‏:‏ هي الحق، فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين، وقيل‏:‏ الباء للملابسة كالتي في قوله‏:‏ ‏{‏تَنبُتُ بالدهن‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 20‏]‏ أي‏:‏ ملتبسة بالحق، أي‏:‏ بحقيقة الحال، والإشارة بقوله‏:‏ ‏{‏ذلك‏}‏ إلى الموت، والحيد‏:‏ الميل، أي‏:‏ ذلك الموت الذي كنت تميل عنه، وتفرّ منه، يقال‏:‏ حاد عن الشيء يحيد حيوداً، وحيدة وحيدودة‏:‏ مال عنه وعدل، ومنه قول طرفة‏:‏

أبو منذر رمت الوفاء فهبته *** وحدت كما حاد البعير عن الدحض

وقال الحسن‏:‏ تحيد‏:‏ تهرب ‏{‏وَنُفِخَ فِى الصور‏}‏ عبّر عنه بالماضي؛ لتحقق وقوعه، وهذه هي النفخة الآخرة للبعث ‏{‏ذَلِكَ يَوْم الوعيد‏}‏ أي‏:‏ ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ في الصور يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار‏.‏ قال مقاتل‏:‏ يعني بالوعيد‏:‏ العذاب في الآخرة، وخصّص الوعيد مع كون اليوم هو يوم الوعد والوعيد جميعاً لتهويله‏.‏ ‏{‏وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها، ومن يشهد لها، أو عليها‏.‏

واختلف في السائق والشهيد، فقال الضحاك‏:‏ السائق من الملائكة، والشهيد من أنفسهم، يعني‏:‏ الأيدي والأرجل‏.‏ وقال الحسن، وقتادة‏:‏ سائق يسوقها، وشاهد يشهد عليها بعملها، وقال ابن مسلم‏:‏ السائق‏:‏ قرينها من الشياطين، سمي سائقاً لأنه يتبعها وإن لم يحثها‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ السائق والشهيد ملكان‏.‏ وقيل‏:‏ السائق‏:‏ الملك، والشهيد‏:‏ العمل، وقيل‏:‏ السائق‏:‏ كاتب السيئات، والشهيد‏:‏ كاتب الحسنات، ومحل الجملة النصب على الحال ‏{‏لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا‏}‏ أي‏:‏ يقال له‏:‏ لقد كنت في غفلة من هذا، والجملة في محل نصب على الحال من ‏{‏نفس‏}‏، أو مستأنفة كأنه قيل‏:‏ ما يقال له، قال الضحاك‏:‏ المراد بهذا‏:‏ المشركون؛ لأنهم كانوا في غفلة من عواقب أمورهم‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي‏:‏ لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة‏.‏ وقال أكثر المفسرين‏:‏ المراد به جميع الخلق برّهم، وفاجرهم، واختار هذا ابن جرير‏.‏ قرأ الجمهور بفتح التاء من ‏{‏كنت‏}‏، وفتح الكاف في ‏{‏غطاءك‏}‏، و‏{‏بصرك‏}‏ حملاً على ما في لفظ ‏{‏كل‏}‏ من التذكير‏.‏ وقرأ الجحدري، وطلحة بن مصرف بالكسر في الجميع على أن المراد النفس ‏{‏فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ‏}‏ الذي كان في الدنيا، يعني‏:‏ رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة، ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك ‏{‏فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ نافذ تبصر به ما كان يخفى عليك في الدنيا‏.‏

قال السديّ‏:‏ المراد بالغطاء‏:‏ أنه كان في بطن أمه فولد، وقيل‏:‏ إنه كان في القبر فنشر، والأوّل أولى‏.‏ والبصر قيل‏:‏ هو بصر القلب، وقيل‏:‏ بصر العين، وقال مجاهد‏:‏ بصرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك، وبه قال الضحاك‏.‏ ‏{‏وَقَالَ قَرِينُهُ هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ‏}‏ أي قال الملك الموكل به‏:‏ هذا ما عندي من كتاب عملك عتيد حاضر قد هيأته، كذا قال الحسن، وقتادة، والضحاك‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ إن الملك يقول للربّ سبحانه‏:‏ هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته، وأحضرت ديوان عمله‏.‏ وروي عنه أنه قال‏:‏ إن قرينه من الشياطين يقول ذلك أي‏:‏ هذا ما قد هيأته لك بإغوائي وإضلالي‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ إن المراد هنا قرينه من الإنس، وعتيد مرفوع على أنه صفة لما إن كانت موصوفة، وإن كانت موصولة فهو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف ‏{‏أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ‏}‏ هذا خطاب من الله عزّ وجلّ للسائق والشهيد‏.‏ قال الزجاج‏:‏ هذا أمر للملكين الموكلين به وهما السائق، والشاهد‏:‏ كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان ‏{‏مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ‏}‏ لا يبذل خيراً ‏{‏مُعْتَدٍ‏}‏ ظالم لا يقرّ بتوحيد الله ‏{‏مُرِيبٍ‏}‏ شاكّ في الحق، من قولهم أراب الرجل‏:‏ إذا صار ذا ريب‏.‏ وقيل‏:‏ هو خطاب للملكين من خزنة النار، وقيل‏:‏ هو خطاب لواحد على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل وتكريره‏.‏ قال الخليل، والأخفش‏:‏ هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يقولون‏:‏ ارحلاها وازجراها، وخذاه وأطلقاه للواحد‏.‏ قال الفراء‏:‏ العرب تقول للواحد‏:‏ قوما عنا‏.‏ وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان، فجرى كلام الرجل للواحد على ذلك، ومنه قولهم للواحد في الشعر‏:‏ خليليّ كما قال امرؤ القيس‏:‏

خليلي مرّا بي على أم جندب *** نقض لبانات الفؤاد المعذب

وقوله‏:‏

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وقول الآخر‏:‏

فإن تزجراني يابن عفان أنزجر *** وإن تدعواني أحم عرضاً ممنعا

قال المازني‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏أَلْقِيَا‏}‏ يدل على ألق ألق‏.‏ قال المبرد‏:‏ هي تثنية على التوكيد، فناب ألقيا مناب ألق ألق‏.‏ قال مجاهد، وعكرمة‏:‏ العنيد‏:‏ المعاند للحق، وقيل‏:‏ المعرض عن الحق، يقال‏:‏ عند يعند بالكسر عنوداً‏:‏ إذا خالف الحق ‏{‏الذى جَعَلَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ‏}‏ يجوز أن يكون بدلاً من ‏{‏كل‏}‏، أو منصوباً على الذم، أو بدلاً من ‏{‏كفار‏}‏، أو مرفوعاً بالابتداء، أو الخبر ‏{‏فألقياه فِى العذاب الشديد‏}‏ تأكيد للأمر الأول، أو بدل منه ‏{‏قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ‏}‏ هذه الجملة مستأنفة لبيان ما يقوله القرين، والمراد بالقرين هنا‏:‏ الشيطان الذي قيض لهذا الكافر، أنكر أن يكون أطغاه، ثم قال‏:‏ ‏{‏ولكن كَانَ فِى ضلال بَعِيدٍ‏}‏ أي‏:‏ عن الحق فدعوته، فاستجاب لي، ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه، وقيل‏:‏ إن قرينه الملك الذي كان يكتب سيئاته، وإن الكافر يقول‏:‏ ربّ إنه أعجلني فيجيبه بهذا، كذا قال مقاتل، وسعيد بن جبير، والأوّل أولى، وبه قال الجمهور‏.‏

‏{‏قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ‏}‏ هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر؛ كأنه قيل‏:‏ فماذا قال الله‏؟‏ فقيل‏:‏ ‏{‏قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ‏}‏ يعني‏:‏ الكافرين وقرناءهم، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب، وجملة‏:‏ ‏{‏وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد‏}‏ في محل نصب على الحال، أي‏:‏ والحال أن قد قدّمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والباء في ‏{‏بالوعيد‏}‏ مزيدة للتأكيد، أو على تضمين قدّم معنى تقدّم ‏{‏مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ‏}‏ أي‏:‏ لا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، وقد قضيت عليكم بالعذاب، فلا تبديل له، وقيل‏:‏ هذا القول هو قوله‏:‏ ‏{‏مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 160‏]‏ وقيل‏:‏ هو قوله‏:‏ «لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ» ‏[‏السجدة‏:‏ 13‏]‏ وقال الفراء، وابن قتيبة‏:‏ معنى الآية‏:‏ أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول، ولا ينقص منه لعلمي بالغيب، وهو قول الكلبي‏.‏ واختاره الواحدي، لأنه قال‏:‏ ‏{‏لَدَىَّ‏}‏ ولم يقل وما يبدل قولي، والأوّل أولى‏.‏ وقيل‏:‏ إن مفعول ‏{‏قدّمت إليكم‏}‏ هو ما ‏{‏يبدّل‏}‏ أي‏:‏ وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد، وهذا بعيد جداً ‏{‏وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ‏}‏ أي‏:‏ لا أعذبهم ظلماً بغير جرم اجترموه، ولا ذنب أذنبوه‏.‏ ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل‏:‏ إنه هنا بمعنى‏:‏ الظالم، كالثمار بمعنى الثامر‏.‏ وقيل‏:‏ إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم‏.‏ وقيل‏:‏ صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده، وظلام لعبيده، وقيل غير ذلك، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران، وفي سورة الحج‏.‏ ‏{‏يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏ قرأ الجمهور ‏{‏نقول‏}‏ بالنون، وقرأ نافع وأبو بكر بالياء، وقرأ الحسن‏:‏ ‏(‏أقول‏)‏‏.‏ وقرأ الأعمش‏:‏ ‏(‏يقال‏)‏، والعامل في الظرف ‏{‏مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ‏}‏، أو محذوف أي‏:‏ اذكر، أو أنذرهم، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل، ولا سؤال ولا جواب، كذا قيل، والأولى أنه على طريقة التحقيق، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع‏.‏

قال الواحدي‏:‏ قال المفسرون‏:‏ أراها الله تصديق قوله‏:‏ ‏{‏لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 119‏]‏ فلما امتلأت قال لها‏:‏ ‏{‏هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏ أي‏:‏ قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان‏.‏ وقيل‏:‏ إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة، أي‏:‏ إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها‏.‏ وقيل‏:‏ إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها؛ لتضايقها بأهلها، والمزيد إما مصدر كالمحيد، أو اسم مفعول كالمنيع، فالأول بمعنى هل من زيادة‏؟‏ والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه‏؟‏ ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين، فقال‏:‏ ‏{‏وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ‏}‏ أي‏:‏ قربت للمتقين تقريباً غير بعيد، أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويجوز أن يكون انتصاب ‏{‏غَيْرَ بَعِيدٍ‏}‏ على الحال‏.‏ وقيل المعنى‏:‏ أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب، فصارت قريبة من قلوبهم، والأوّل أولى‏.‏ والإشارة بقوله‏:‏ ‏{‏هذا مَا تُوعَدُونَ‏}‏ إلى الجنة التي أزلفت لهم على معنى‏:‏ هذا الذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون، والجملة بتقدير القول، أي‏:‏ ويقال لهم‏:‏ هذا ما توعدون‏.‏ قرأ الجمهور ‏{‏توعدون‏}‏ بالفوقية، وقرأ ابن كثير بالتحتية ‏{‏لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ‏}‏ هو بدل من ‏{‏للمتقين‏}‏ بإعادة الخافض، أو متعلق بقول محذوف هو حال، أي‏:‏ مقولاً لهم لكل أوّاب، والأوّاب‏:‏ الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية، وقيل‏:‏ هو المسبح، وقيل‏:‏ هو الذاكر لله في الخلوة‏.‏ قال الشعبي، ومجاهد‏:‏ هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة، فيستغفر الله منها‏.‏ وقال عبيد بن عمير‏:‏ هو الذي لا يجلس مجلساً حتى يستغفر الله فيه، والحفيظ‏:‏ هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها‏.‏ وقال قتادة‏:‏ هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته، قاله مجاهد‏.‏ وقيل‏:‏ هو الحافظ لأمر الله‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ هو الحافظ لوصية الله له بالقبول‏.‏ ‏{‏مَّنْ خَشِىَ الرحمن بالغيب‏}‏ الموصول في محل جر بدلاً، أو بياناً ‏{‏لكل أوّاب‏}‏ وقيل‏:‏ يجوز أن يكون بدلاً بعد بدل من المتقين، وفيه نظر؛ لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف، والخبر ‏{‏ادخلوها‏}‏ بتقدير‏:‏ يقال لهم‏:‏ ادخلوها، والخشية بالغيب‏:‏ أن يخاف الله ولم يكن رآه‏.‏ وقال الضحاك، والسديّ‏:‏ يعني‏:‏ في الخلوة حيث لا يراه أحد‏.‏ قال الحسن‏:‏ إذا أرخى الستر وأغلق الباب، و‏{‏بالغيب‏}‏ متعلق بمحذوف هو حال، أو صفة لمصدر ‏{‏خشي‏}‏ ‏{‏وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ راجع إلى الله مخلص لطاعته، وقيل‏:‏ المنيب‏:‏ المقبل على الطاعة، وقيل‏:‏ السليم ‏{‏ادخلوها‏}‏ هو بتقدير القول، أي‏:‏ يقال لهم‏:‏ ادخلوها، والجمع باعتبار معنى «من» أي‏:‏ ادخلوا الجنة ‏{‏بِسَلامٍ‏}‏ أي‏:‏ بسلامة من العذاب‏.‏

وقيل‏:‏ بسلام من الله وملائكته، وقيل‏:‏ بسلامة من زوال النعم، وهو متعلق بمحذوف هو حال، أي‏:‏ ملتبسين بسلام، والإشارة بقوله‏:‏ ‏{‏ذلك‏}‏ إلى زمن ذلك اليوم، كما قال أبو البقاء، وخبره ‏{‏يَوْمُ الخلود‏}‏ وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له، بل هو دائم أبداً ‏{‏لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا‏}‏ أي‏:‏ في الجنة ما تشتهي أنفسهم، وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير ‏{‏وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ‏}‏ من النعم التي لم تخطر لهم على بال، ولا مرّت لهم في خيال‏.‏

وقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «نزل الله من ابن آدم أربع منازل‏:‏ هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا»‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏مِنْ حَبْلِ الوريد‏}‏ قال‏:‏ عروق العنق‏.‏ وأخرج ابن المنذر عنه قال‏:‏ هو نياط القلب‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً، في قوله‏:‏ ‏{‏مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ قال‏:‏ يكتب كل ما تكلم به من خير أو شرّ حتى إنه ليكتب قوله‏:‏ أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقرّ منه ما كان من خير أو شرّ وألقى سائره، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 39‏]‏‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال‏:‏ إنما يكتب الخير والشرّ، لا يكتب يا غلام اسرج الفرس، يا غلام اسقني الماء‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن الله غفر لهذه الأمة ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تكلم ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، والحكيم الترمذي، وأبو نعيم، والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذرّ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله عبد، ولينظر ما يقول ‏"‏ وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً مثله‏.‏ وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن عثمان بن عفان أنه قرأ ‏{‏وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ‏}‏ قال‏:‏ سائق يسوقها إلى أمر الله، وشهيد يشهد عليها بما عملت‏.‏ وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة في الآية قال‏:‏ السائق‏:‏ الملك، والشهيد‏:‏ العمل‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال‏:‏ السائق من الملائكة، والشهيد شاهد عليه من نفسه‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ‏{‏لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا‏}‏ قال‏:‏ هو الكافر‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً ‏{‏فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ‏}‏ قال‏:‏ الحياة بعد الموت‏.‏ وأخرج ابن جرير عنه أيضاً، و‏{‏قَالَ قرِينُهُ‏}‏ قال‏:‏ شيطانه‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله‏:‏ ‏{‏لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ‏}‏ قال‏:‏ إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، وردّ عليهم قولهم‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً‏.‏ في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ‏}‏ قال‏:‏ ما أنا بمعذّب من لم يجترم‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً‏.‏ في قوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏ قال‏:‏ وهل فيّ من مكان يزاد فيّ‏؟‏ وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول‏:‏ هل من مزيد حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول‏:‏ قط قط، وعزّتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر، فيسكنهم في فضول الجنة» وأخرجا أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه، وفي الباب أحاديث‏.‏ وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ‏}‏ قال‏:‏ حفظ ذنوبه حتى رجع عنها‏.‏ وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أنس، في قوله‏:‏ ‏{‏وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ‏}‏ قال‏:‏ يتجلى لهم الربّ تبارك وتعالى في كل جمعة‏.‏ وأخرج البيهقي في الرؤية، والديلمي عن عليّ في الآية قال‏:‏ يتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ، وفي الباب أحاديث‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 45‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ‏(‏36‏)‏ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ‏(‏37‏)‏ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ‏(‏38‏)‏ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ‏(‏39‏)‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ‏(‏40‏)‏ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ‏(‏41‏)‏ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ‏(‏42‏)‏ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ‏(‏43‏)‏ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ‏(‏44‏)‏ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ‏(‏45‏)‏‏}‏

خوّف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية ‏{‏قَبْلَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ قبل قريش ومن وافقهم ‏{‏مّن قَرْنٍ‏}‏ أي‏:‏ من أمة ‏{‏هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً‏}‏ أي‏:‏ قوة، كعاد وثمود، وغيرهما ‏{‏فَنَقَّبُواْ فِى البلاد‏}‏ أي‏:‏ ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها وأصله من النقب، وهو الطريق‏.‏ قال مجاهد‏:‏ ضربوا وطافوا‏.‏ وقال النضر بن شميل‏:‏ دوّروا، وقال المؤرج‏:‏ تباعدوا‏.‏ والأوّل أولى، ومنه قول امرئ القيس‏:‏

وقد نقبت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب

ومنه قول الحارث بن حلزة‏:‏

نقبوا في البلاد من حذر المو *** ت وجالوا في الأرض كل مجال

وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو العالية، وأبو عمرو في رواية‏:‏ ‏(‏نقبوا‏)‏ بفتح القاف مخففة، والنقب هو‏:‏ الخرق والطريق في الجبل، وكذا المنقب والمنقبة، كذا قال ابن السكيت، وجمع النقب نقوب‏.‏ وقرأ السلمي، ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشدّدة على الأمر للتهديد، أي‏:‏ طوّفوا فيها وسيروا في جوانبها‏.‏ وقرأ الباقون بفتح القاف مشدّدة على الماضي ‏{‏هَلْ مِن مَّحِيصٍ‏}‏ أي‏:‏ هل لهم من مهرب يهربون إليه، أو مخلص يتخلصون به من العذاب‏؟‏ قال الزجاج‏:‏ لم يروا محيصاً من الموت، والمحيص‏:‏ مصدر حاص عنه يحيص حيصاً وحيوصاً ومحيصاً ومحاصاً وحيصاناً، أي‏:‏ عدل وحاد، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرًّا ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ لذكرى‏}‏ أي‏:‏ فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة ‏{‏لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ‏}‏ أي‏:‏ عقل‏.‏ قال الفراء‏:‏ وهذا جائز في العربية، تقول‏:‏ ما لك قلب وما قلبك معك، أي‏:‏ ما لك عقل وما عقلك معك، وقيل‏:‏ المراد‏:‏ القلب نفسه؛ لأنه إذا كان سليماً أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي‏.‏ وقيل‏:‏ لمن كان له حياة ونفس مميزة فعبر عن ذلك بالقلب؛ لأنه وطنها ومعدن حياتها، ومنه قول امرئ القيس‏:‏

أغرّك مني أن حبك قاتلي *** وأنك مهما تأمري النفس تفعل

‏{‏أَوْ أَلْقَى السمع‏}‏ أي‏:‏ استمع ما يقال له، يقال‏:‏ ألق سمعك إليّ، أي‏:‏ استمع مني، والمعنى‏:‏ أنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى على تلك الأمم‏.‏ قرأ الجمهور ‏{‏ألقى‏}‏ مبنياً للفاعل‏.‏ وقرأ السلمي، وطلحة، والسديّ على البناء للمفعول، ورفع «السمع» ‏{‏وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ حاضر الفهم، أو حاضر القلب؛ لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه، فهو لم يحضر بفهمه‏.‏ قال الزجاج‏:‏ أي‏:‏ وقلبه حاضر فيما يسمع‏.‏ قال سفيان‏:‏ أي‏:‏ لا يكون حاضراً وقلبه غائب‏.‏ قال مجاهد، وقتادة‏:‏ هذه الآية في أهل الكتاب، وكذا قال الحسن‏.‏

وقال محمد بن كعب، وأبو صالح‏:‏ إنها في أهل القرآن خاصة‏.‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ قد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف، وغيرها‏.‏ ‏{‏وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏ اللغوب‏:‏ التعب والإعياء، تقول‏:‏ لغب يلغب بالضم لغوباً‏.‏ قال الواحدي‏:‏ قال جماعة المفسرين‏:‏ إن اليهود قالوا‏:‏ خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أوّلها الأحد وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت، فأكذبهم الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏‏.‏ ‏{‏فاصبر على مَا يَقُولُونَ‏}‏ هذه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون، أي‏:‏ هوّن عليك، ولا تحزن لقولهم، وتلقّ ما يرد عليك منه بالصبر ‏{‏وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب‏}‏ أي‏:‏ نزّه الله عما لا يليق بجنابه العالي ملتبساً بحمده وقت الفجر ووقت العصر، وقيل‏:‏ المراد‏:‏ صلاة الفجر وصلاة العصر، وقيل‏:‏ الصلوات الخمس، وقيل‏:‏ صلّ ركعتين قبل طلوع الشمس، وركعتين قبل غروبها، والأوّل أولى‏.‏ ‏{‏وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ‏}‏ «من» للتبعيض، أي‏:‏ سبّحه بعض الليل، وقيل‏:‏ هي صلاة الليل، وقيل‏:‏ ركعتا الفجر، وقيل‏:‏ صلاة العشاء، والأوّل أولى ‏{‏وأدبار السجود‏}‏ أي‏:‏ وسبّحه أعقاب الصلوات‏.‏ قرأ الجمهور أدبار بفتح الهمزة جمع دبر‏.‏ وقرأ نافع، وابن كثير، وحمزة بكسرها على المصدر، من أدبر الشيء إدباراً‏:‏ إذا ولى، وقال جماعة من الصحابة والتابعين‏:‏ إدبار السجود‏:‏ الركعتان بعد المغرب، وإدبار النجوم‏:‏ الركعتان قبل الفجر، وقد اتفق القراء السبعة في ‏{‏إدبار النجوم‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 49‏]‏ أنه بكسر الهمزة، كما سيأتي‏.‏ ‏{‏واستمع يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ استمع ما يوحى إليك من أحوال القيامة‏:‏ يوم ينادي المناد، وهو إسرافيل، أو جبريل، وقيل‏:‏ استمع النداء، أو الصوت، أو الصيحة، وهي صيحة القيامة، أعني‏:‏ النفخة الثانية في الصور من إسرافيل، وقيل‏:‏ إسرافيل ينفخ، وجبريل ينادي أهل المحشر، ويقول‏:‏ هلموا للحساب، فالنداء على هذا في المحشر، قال مقاتل‏:‏ هو إسرافيل ينادي بالحشر فيقول‏:‏ يا أيها الناس هلموا للحساب ‏{‏مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ بحيث يصل النداء إلى كل فرد من أفراد أهل المحشر‏.‏ قال قتادة‏:‏ كنا نحدّث أنه ينادي من صخرة بيت المقدس‏.‏ قال الكلبي‏:‏ وهي أقرب الأرض إلى السماء باثني عشر ميلاً، وقال كعب‏:‏ بثمانية عشر ميلاً ‏{‏يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة بالحق‏}‏ هو بدل من ‏{‏يوم يناد‏}‏ يعني‏:‏ صيحة البعث، و‏{‏بالحق‏}‏ متعلق بالصيحة ‏{‏ذَلِكَ يَوْمُ الخروج‏}‏ أي‏:‏ يوم الخروج من القبور‏.‏ قال الكلبي‏:‏ معنى ‏{‏بالحق‏}‏ بالبعث‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ يعني‏:‏ أنها كائنة حقاً‏.‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ‏}‏ أي‏:‏ نحيي في الآخرة، ونميت في الدنيا لا يشاركنا في ذلك مشارك، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث ‏{‏وَإِلَيْنَا المصير‏}‏، فنجازي كل عامل بعمله ‏{‏يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ‏}‏ قرأ الجمهور بإدغام التاء في الشين، وقرأ الكوفيون بتخفيف الشين على حذف إحدى التاءين تخفيفاً‏.‏

وقرأ زيد بن علي‏:‏ ‏(‏تتشقق‏)‏ بإثبات التاءين على الأصل، وقرئ على البناء للمفعول، وانتصاب ‏{‏سِرَاعاً‏}‏ على أنه حال من الضمير في عنهم، والعامل في الحال تشقق، وقيل‏:‏ العامل في الحال هو العامل في ‏{‏يوم‏}‏ أي‏:‏ مسرعين إلى المنادي الذي ناداهم ‏{‏ذَلِكَ حَشْرٌ‏}‏ أي‏:‏ بعث وجمع ‏{‏عَلَيْنَا يَسِيرٌ‏}‏ هين‏.‏ ثم عزّى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏{‏نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ‏}‏ يعني‏:‏ من تكذيبك فيما جئت به، ومن إنكار البعث والتوحيد ‏{‏وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ‏}‏ أي‏:‏ بمسلط يجبرهم ويقهرهم على الإيمان، والآية منسوخة بآية السيف ‏{‏فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ‏}‏ أي‏:‏ من يخاف وعيدي لعصاتي بالعذاب، وأما من عداهم فلا تشتغل بهم، ثم أمره الله سبحانه بعد ذلك بالقتال‏.‏

وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏ قال‏:‏ من نصب‏.‏ وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن جرير بن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس‏}‏‏:‏ «صلاة الصبح» ‏{‏وَقَبْلَ الغروب‏}‏ «صلاة العصر»‏.‏ وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، فقال‏:‏ ‏"‏ يا ابن عباس ركعتان قبل صلاة الفجر إدبار النجوم، وركعتان بعد المغرب إدبار السجود ‏"‏ وأخرج مسدّد في مسنده، وابن المنذر، وابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالب قال‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إدبار النجوم، وإدبار السجود، فقال‏:‏ ‏"‏ إدبار السجود‏:‏ ركعتان بعد المغرب، وإدبار النجوم‏:‏ الركعتان قبل الغداة ‏"‏ وأخرج محمد بن نصر في الصلاة، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب‏:‏ إدبار السجود‏:‏ ركعتان بعد المغرب، وإدبار النجوم‏:‏ ركعتان قبل الفجر‏.‏ وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن نصر، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عليّ بن أبي طالب مثله‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة، وابن نصر، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي هريرة مثله‏.‏ وأخرج البخاري، وغيره عن مجاهد قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها‏.‏ وأخرج ابن جرير عنه ‏{‏واستمع يَوْمَ يُنَادِ المناد‏}‏ قال‏:‏ هي الصيحة‏.‏ وأخرج الواسطي عنه أيضاً ‏{‏مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ قال‏:‏ من صخرة بيت المقدس‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر عنه أيضاً ‏{‏ذَلِكَ يَوْمُ الخروج‏}‏ قال‏:‏ يوم يخرجون إلى البعث من القبور‏.‏ وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال‏:‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله لو خوّفتنا، فنزلت‏:‏ ‏{‏فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ‏}‏‏.‏

سورة الذاريات

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 23‏]‏

‏{‏وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ‏(‏1‏)‏ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ‏(‏2‏)‏ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ‏(‏3‏)‏ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ‏(‏4‏)‏ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ‏(‏5‏)‏ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ‏(‏6‏)‏ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ‏(‏7‏)‏ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ‏(‏8‏)‏ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ‏(‏9‏)‏ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ‏(‏10‏)‏ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ‏(‏11‏)‏ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ‏(‏12‏)‏ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ‏(‏13‏)‏ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏14‏)‏ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ‏(‏15‏)‏ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ‏(‏16‏)‏ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ‏(‏17‏)‏ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ‏(‏18‏)‏ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ‏(‏19‏)‏ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ‏(‏20‏)‏ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ‏(‏21‏)‏ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ‏(‏22‏)‏ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏والذريات ذَرْواً‏}‏ يقال‏:‏ ذرت الريح التراب تذروه ذرواً، وأذرته تذريه ذرياً، أقسم سبحانه بالرّياح التي تذري التراب، وانتصاب ‏{‏ذرواً‏}‏ على المصدرية، والعامل فيها اسم الفاعل، والمفعول محذوف‏.‏ قرأ أبو عمرو، وحمزة بإدغام تاء الذاريات في ذال ذرواً‏.‏ وقرأ الباقون بدون إدغام‏.‏ وقيل‏:‏ المقسم به مقدّر وهو ربّ الذاريات وما بعدها، والأوّل أولى ‏{‏فالحاملات وِقْراً‏}‏ هي السحاب تحمل الماء، كما تحمل ذوات الأربع الوقر، وانتصاب ‏{‏وقراً‏}‏ على أنه مفعول به، كما يقال‏:‏ حمل فلان عدلاً ثقيلاً‏.‏ قرأ الجمهور‏:‏ ‏{‏وقراً‏}‏ بكسر الواو اسم ما يوقر أي‏:‏ يحمل، وقرئ بفتحها على أنه مصدر، والعامل فيه اسم الفاعل، أو على تسمية المحمول بالمصدر مبالغة ‏{‏فالجاريات يُسْراً‏}‏ هي السفن الجارية في البحر بالرّياح جرياً سهلاً، وانتصاب ‏{‏يسراً‏}‏ على المصدرية، أو صفة لمصدر محذوف، أو على الحال، أي‏:‏ جرياً ذا يسر، وقيل‏:‏ هي الرّياح، وقيل‏:‏ السحاب، والأوّل أولى‏.‏ واليسر‏:‏ السهل في كل شيء ‏{‏فالمقسمات أَمْراً‏}‏ هي الملائكة التي تقسم الأمور‏.‏ قال الفرّاء‏:‏ تأتي بأمر مختلف‏:‏ جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، وقيل‏:‏ تأتي بأمر مختلف من الجدب، والخصب، والمطر، والموت، والحوادث‏.‏ وقيل‏:‏ هي السحب التي يقسم الله بها أمر العباد، وقيل‏:‏ إن المراد بالذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات‏:‏ الرياح، فإنها توصف بجميع ذلك؛ لأنها تذرو التراب، وتحمل السحاب، وتجري في الهواء، وتقسم الأمطار، وهو ضعيف جدًّا‏.‏ وانتصاب ‏{‏أمراً‏}‏ على المفعول به، وقيل‏:‏ على الحال، أي‏:‏ مأمورة، والأوّل أولى ‏{‏إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق‏}‏ هذا جواب القسم، أي‏:‏ إنما توعدون من الثواب والعقاب، لكائن لا محالة‏.‏ و«مَا» يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية‏.‏ ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أموراً بديعة مخالفة لمقتضى العادة، فمن قدر عليها، فهو قادر على البعث الموعود به‏.‏ ‏{‏والسماء ذَاتِ الحبك‏}‏ قرأ الجمهور ‏{‏الحبك‏}‏ بضم الحاء والباء، وقرئ بضم الحاء وسكون الباء، وبكسر الحاء وفتح الباء، وبكسر الحاء وضم الباء‏.‏ قال ابن عطية‏:‏ هي لغات، والمراد بالسماء هنا‏:‏ هي المعروفة، وقيل‏:‏ المراد بها السحاب، والأوّل أولى‏.‏

واختلف المفسرون في تفسير الحبك؛ فقال مجاهد، وقتادة، والربيع، وغيرهم‏:‏ المعنى ذات الخلق المستوي الحسن‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ كل شيء أحكمته وأحسنت عمله، فقد حبكته واحتبكته‏.‏ وقال الحسن، وسعيد بن جبير‏:‏ ذات الزينة‏.‏ وروي عن الحسن أيضاً أنه قال‏:‏ ذات النجوم‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ ذات الطرائق، وبه قال الفرّاء، يقال لما تراه من الماء والرّمل إذا أصابته الريح‏:‏ حبك‏.‏ قال الفراء‏:‏ الحبك بكسر‏:‏ كل شيء كالرمل إذا مرّت به الريح الساكنة، والماء إذا مرّت به الرّيح، ويقال لدرع الحديد‏:‏ حبك، ومنه قول الشاعر‏:‏

كأنما جللها الحواك *** طنفسة في وشيها حباك

أي‏:‏ طرق، وقيل‏:‏ الحبك‏:‏ الشدّة، والمعنى‏:‏ والسماء ذات الشدّة، والمحبوك‏:‏ الشديد الخلق من فرس أو غيره، ومنه قول الشاعر‏:‏

قد غدا يحملني في أنفه *** لاحق الأطلين محبوك ممرّ

وقول الآخر‏:‏

مرج الدين فأعددت له *** مشرف الحارك محبوك الكتد

قال الواحدي بعد حكاية القول الأوّل‏:‏ هذا قول الأكثرين ‏{‏إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ‏}‏ هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك أي‏:‏ إنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف متناقض في محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ بعضكم يقول‏:‏ إنه شاعر‏.‏ وبعضكم يقول‏:‏ إنه ساحر، وبعضكم يقول‏:‏ إنه مجنون‏.‏ ووجه تخصيص القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء، واستعمال الحبك في الطرائق هو الذي عليه أهل اللغة، وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه‏.‏ على أنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا، وذلك بأن يقال‏:‏ إن ما في السماء من الطرائق يصح أن يكون سبباً لمزيد حسنها، واستواء خلقها، وحصول الزينة فيها، ومزيد القوّة لها‏.‏ وقيل‏:‏ إن المراد بكونهم في قول مختلف أن بعضهم ينفي الحشر، وبعضهم يشكّ فيه، وقيل‏:‏ كونهم يقرّون أن الله خالقهم، ويعبدون الأصنام ‏{‏يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ‏}‏ أي‏:‏ يصرف عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، أو عن الحقّ، وهو البعث والتوحيد من صرف‏.‏ وقيل‏:‏ يصرف عن ذلك الاختلاف من صرفه الله عنه بالعصمة والتوفيق، يقال‏:‏ أفكه يأفكه إفكاً أي‏:‏ قلبه عن الشيء وصرفه عنه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 22‏]‏ وقال مجاهد‏:‏ يؤفن عنه من أفن، والأفن‏:‏ فساد العقل، وقيل‏:‏ يحرمه من حرم‏.‏ وقال قطرب‏:‏ يجدع عنه من جدع‏.‏ وقال اليزيدي‏:‏ يدفع عنه من دفع‏.‏ ‏{‏قُتِلَ الخراصون‏}‏ هذا دعاء عليهم‏.‏ وحكى الواحدي عن المفسرين جميعاً أن المعنى‏:‏ لعن الكذابون‏.‏ قال ابن الأنباري‏:‏ والقتل إذا أخبر به عن الله كان بمعنى اللعن؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك‏.‏ قال الفرّاء‏:‏ معنى ‏{‏قتل‏}‏‏:‏ لعن‏.‏ والخرّاصون‏:‏ الكذابون الذين يتخرّصون فيما لا يعلمون، فيقولون‏:‏ إن محمداً مجنون كذاب شاعر ساحر‏.‏ قال الزجاج‏:‏ الخرّاصون‏:‏ هم الكذابون، والخرص‏:‏ حزر ما على النخل من الرّطب تمراً، والخرّاص‏:‏ الذي يخرصها، وليس هو المراد هنا، ثم قال‏:‏ ‏{‏الذين هُمْ فِى غَمْرَةٍ ساهون‏}‏ أي‏:‏ في غفلة وعمى جهالة عن أمور الآخرة، ومعنى ساهون‏:‏ لاهون غافلون، والسهو‏:‏ الغفلة عن الشيء وذهابه عن القلب، وأصل الغمرة‏:‏ ما ستر الشيء وغطاه، ومنها غمرات الموت ‏{‏يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين‏}‏ أي‏:‏ يقولون متى يوم الجزاء تكذيباً منهم واستهزاءً، ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم، فقال‏:‏ ‏{‏يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ‏}‏ أي‏:‏ يحرقون ويعذبون، يقال‏:‏ فتنت الذهب‏:‏ إذا أحرقته لتختبره، وأصل الفتنة‏:‏ الاختبار‏.‏

قال عكرمة‏:‏ ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل‏:‏ فتن‏.‏ وانتصاب ‏{‏يوم‏}‏ بمضمر، أي‏:‏ الجزاء يوم هم على النار، ويجوز أن يكون بدلاً من ‏{‏يوم الدين‏}‏، والفتح للبناء لكونه مضافاً إلى الجملة، وقيل‏:‏ هو منصوب بتقدير أعني‏.‏ وقرأ ابن أبي عبلة برفع‏:‏ ‏{‏يوم‏}‏ على البدل من يوم الدين، وجملة‏:‏ ‏{‏ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ‏}‏ هي بتقدير القول، أي‏:‏ يقال لهم‏:‏ ذوقوا عذابكم، قاله ابن زيد‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ حريقكم، ورجح الأوّل الفرّاء، وجملة‏:‏ ‏{‏هذا الذى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ من جملة ما هو محكيّ بالقول، أي‏:‏ هذا ما كنتم تطلبون تعجيله استهزاءً منكم، وقيل‏:‏ هي بدل من فتنتكم‏.‏ ‏{‏إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ‏}‏ لما ذكر سبحانه حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة، أي‏:‏ هم في بستانين فيها عيون جارية لا يبلغ وصفها الواصفون ‏{‏ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ‏}‏ أي‏:‏ قابلين ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة‏.‏ وجملة‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ‏}‏ تعليل لما قبلها، أي‏:‏ لأنهم كانوا في الدنيا محسنين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه‏.‏ ثم بين إحسانهم الذي وصفهم به، فقال‏:‏ ‏{‏كَانُواْ قَلِيلاً مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ‏}‏ الهجوع‏:‏ النوم بالليل دون النهار، والمعنى‏:‏ كانوا قليلاً ما ينامون من الليل، و«ما» زائدة، ويجوز أن تكون مصدرية، أو موصولة أي‏:‏ كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه، ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت‏:‏

قد حصت البيضة رأسي *** فما أطعم نوماً غير تهجاع

والتهجاع‏:‏ القليل من النوم، ومن ذلك قول عمرو بن معدي كرب‏.‏

أمن ريحانة الداعي السميع *** يهيجني وأصحابي هجوع

وقيل‏:‏ «ما» نافية، أي‏:‏ ما كانوا ينامون قليلاً من الليل، فكيف بالكثير منه، وهذا ضعيف جدًّا‏.‏ وهذا قول من قال‏:‏ إن المعنى كان عددهم قليلاً‏.‏ ثم ابتدأ فقال‏:‏ ‏{‏مَا يَهْجَعُونَ‏}‏ وبه قال ابن الأنباري، وهو أضعف مما قبله‏.‏ وقال قتادة في تفسير هذه الآية‏:‏ كانوا يصلون بين العشاءين، وبه قال أبو العالية، وابن وهب‏.‏ ‏{‏وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم‏.‏ قال الحسن‏:‏ مدّوا الصلاة إلى الأسحار‏.‏ ثم أخذوا بالأسحار الاستغفار‏.‏ وقال الكلبي، ومقاتل، ومجاهد‏:‏ هم بالأسحار يصلون، وذلك أن صلاتهم طلب منهم للمغفرة‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ هي صلاة الفجر‏.‏ ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال‏:‏ ‏{‏وفي أموالهم حَقٌّ لَّلسَّائِلِ والمحروم‏}‏ أي‏:‏ يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقاً للسائل والمحروم تقرّباً إلى الله عزّ وجلّ‏.‏ وقال محمد بن سيرين، وقتادة‏:‏ الحق هنا‏:‏ الزكاة المفروضة، والأوّل أولى، فيحمل على صدقة النفل، وصلة الرحم، وقري الضيف؛ لأن السورة مكية، والزكاة لم تفرض إلاّ بالمدينة، وسيأتي في سورة ‏{‏سأل سائل‏}‏‏:‏

‏{‏والذين فِى أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ لَّلسَّائِلِ والمحروم‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 24، 25‏]‏ بزيادة معلوم، والسائل هو‏:‏ الذي يسأل الناس لفاقته‏.‏

واختلف في تفسير المحروم، فقيل‏:‏ هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنياً، فلا يتصدّقون عليه، وبه قال قتادة، والزهري‏.‏ وقال الحسن، ومحمد ابن الحنفية‏:‏ هو الذي لا سهم له في الغنيمة، ولا يجري عليه من الفيء شيء‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ هو الذي أصيب ثمره، أو زرعه، أو ماشيته‏.‏ قال القرطبي‏:‏ هو الذي أصابته الجائحة‏.‏ وقيل‏:‏ الذي لا يكتسب‏.‏ وقيل‏:‏ هو الذي لا يجد غنى يغنيه، وقيل‏:‏ هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه‏.‏ وقيل‏:‏ هو المملوك‏.‏ وقيل‏:‏ الكلب‏.‏ وقيل غير ذلك‏.‏ قال الشعبي‏:‏ لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ، والذي ينبغي التعويل عليه ما يدلّ عليه المعنى اللغوي، والمحروم في اللغة‏:‏ الممنوع، من الحرمان وهو المنع، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل، ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته، ومن حرم العطاء، ومن حرم الصدقة لتعففه‏.‏ ثم ذكر سبحانه ما نصبه من الدلائل الدالة على توحيده، وصدق وعده ووعيده، فقال‏:‏ ‏{‏وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ دلائل واضحة، وعلامات ظاهرة من الجبال والبرّ والبحر والأشجار والأنهار والثمار، وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذّبة لما جاءت به رسل الله ودعتهم إليه، وخص الموقنين بالله لأنهم الذين يعترفون بذلك ويتدبرون فيه، فينتفعون به ‏{‏وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ وفي أنفسكم آيات تدلّ على توحيد الله وصدق ما جاءت به الرّسل، فإنه خلقهم نطفة ثم علقة، ثم مضغة ثم عظماً، إلى أن ينفخ فيه الروح‏.‏ ثم تختلف بعد ذلك صورهم، وألوانهم، وطبائعهم، وألسنتهم، ثم نفس خلقهم على هذه الصفة العجيبة الشأن من لحم ودم، وعظم وأعضاء، وحواسّ ومجاري ومنافس‏.‏ ومعنى ‏{‏أَفلاَ تُبْصِرُونَ‏}‏‏:‏ أفلا تنظرون بعين البصيرة، فتستدلون بذلك على الخالق الرّازق المتفرّد بالألوهية، وأنه لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ، وأن وعده الحقّ، وقوله الحقّ، وأن ما جاءت إليكم به رسله هو الحقّ الذي لا شك فيه، ولا شبهة تعتريه‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بالأنفس‏:‏ الأرواح، أي‏:‏ وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات ‏{‏وَفِى السماء رِزْقُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ سبب رزقكم، وهو المطر، فإنه سبب الأرزاق‏.‏ قال سعيد بن جبير، والضحاك‏:‏ الرزق هنا‏:‏ ما ينزل من السماء من مطر وثلج‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بالسماء‏:‏ السحاب، أي‏:‏ وفي السحاب رزقكم، وقيل‏:‏ المراد بالسماء‏:‏ المطر، وسماه سماء؛ لأنه ينزل من جهتها، ومنه قول الشاعر‏:‏

إذا نزل السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا

وقال ابن كيسان‏:‏ يعني‏:‏ وعلى رب السماء رزقكم، قال‏:‏ ونظيره‏:‏

‏{‏وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 6‏]‏ وهو بعيد‏.‏ وقال سفيان الثوري‏:‏ أي‏:‏ عند الله في السماء رزقكم‏.‏ وقيل المعنى‏:‏ وفي السماء تقدير رزقكم‏.‏ قرأ الجمهور ‏{‏رزقكم‏}‏ بالإفراد، وقرأ يعقوب، وابن محيصن، ومجاهد ‏(‏أرزاقكم‏)‏ بالجمع ‏{‏وَمَا تُوعَدُونَ‏}‏ من الجنة والنار، قاله مجاهد‏.‏ قال عطاء‏:‏ من الثواب والعقاب، وقال الكلبي‏:‏ من الخير والشرّ، قال ابن سيرين‏:‏ ما توعدون من أمر الساعة، وبه قال الربيع‏.‏ والأولى الحمل على ما هو أعمّ من هذه الأقوال، فإن جزاء الأعمال مكتوب في السماء، والقضاء والقدر ينزل منها، والجنة والنار فيها‏.‏ ثم أقسم سبحانه بنفسه، فقال‏:‏ ‏{‏فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ‏}‏ أي‏:‏ ما أخبركم به في هذه الآيات‏.‏ قال الزجاج‏:‏ هو ما ذكر من أمر الرزق والآيات‏.‏ قال الكلبي‏:‏ يعني‏:‏ ما قصّ في الكتاب‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ يعني‏:‏ من أمر الساعة‏.‏ وقيل‏:‏ إن ‏"‏ مَا ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تُوعَدُونَ‏}‏ مبتدأ، وخبره‏:‏ ‏{‏فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ‏}‏، فيكون الضمير لما‏.‏ ثم قال سبحانه‏:‏ ‏{‏مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ‏}‏ قرأ الجمهور بنصب ‏{‏مثل‏}‏ على تقدير‏:‏ كمثل نطقكم و‏"‏ ما ‏"‏ زائدة، كذا قال بعض الكوفيون‏:‏ إنه منصوب بنزع الخافض‏.‏ وقال الزجاج، والفراء‏:‏ يجوز أن ينتصب على التوكيد، أي‏:‏ لحق حقاً مثل نطقكم‏.‏ وقال المازني‏:‏ إن «مثل» مع «ما» بمنزلة شيء واحد فبني على الفتح‏.‏ وقال سيبويه‏:‏ هو مبنيّ لإضافته إلى غير متمكن، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم‏.‏ وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر، والأعمش‏:‏ ‏(‏مثل‏)‏ بالرفع على أنه صفة لحقّ لأن مثل نكرة وإن أضيفت، فهي لا تتعرّف بالإضافة كغير‏.‏ ورجح قول المازني أبو عليّ الفارسي قال‏:‏ ومثله قول حميد‏:‏

وويحاً لمن لم يدر ما هنّ ويحما *** فبني ويح مع ما ولم يلحقه التنوين، ومعنى الآية تشبيه‏:‏ تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، وهذا كما تقول‏:‏ إنه لحق كما أنك ها هنا، وإنه لحق كما أنك تتكلم، والمعنى‏:‏ أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة‏.‏

وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والدارقطني في الأفراد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب من طرق عن علي بن أبي طالب في قوله‏:‏ ‏{‏والذريات ذَرْواً‏}‏ قال‏:‏ الرياح ‏{‏فالحاملات وِقْراً‏}‏ قال‏:‏ السحاب ‏{‏فالجاريات يُسْراً‏}‏ قال‏:‏ السفن ‏{‏فالمقسمات أَمْراً‏}‏ قال‏:‏ الملائكة‏.‏ وأخرج البزار، والدارقطني في الإفراد، وابن مردويه، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب مثله، ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده أبو بكر بن سبرة، وهو لين الحديث، وسعيد بن سلام، وليس من أصحاب الحديث، كذا قال البزار‏.‏

قال ابن كثير‏:‏ فهذا الحديث ضعيف رفعه، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر‏.‏ وأخرج الفريابي، وابن مردويه عن ابن عباس مثل قول عليّ‏.‏ وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس ‏{‏والسماء ذَاتِ الحبك‏}‏ قال‏:‏ حسنها واستواؤها‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه في الآية قال‏:‏ ذات البهاء والجمال، وإن بنيانها كالبرد المسلسل‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال‏:‏ ذات الخلق الحسن‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عمر مثله‏.‏ وأخرج ابن منيع عن عليّ قال‏:‏ هي السماء السابعة‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ‏}‏ قال‏:‏ يضلّ عنه من ضلّ‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً‏:‏ ‏{‏قُتِلَ الخرصون‏}‏ قال‏:‏ لعن المرتابون‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال‏:‏ هم الكهنة ‏{‏الذين هُمْ فِى غَمْرَةٍ ساهون‏}‏ قال‏:‏ في غفلة لاهون‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال‏:‏ الغمرة‏:‏ الكفر والشك‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال‏:‏ في ضلالتهم يتمادون، وفي قوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ‏}‏ قال‏:‏ يعذبون‏.‏ وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في قوله‏:‏ ‏{‏ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ‏}‏ قال‏:‏ الفرائض ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ‏}‏ قال‏:‏ قبل أن تنزل الفرائض يعملون‏.‏ وأخرج هؤلاء أيضاً، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً ‏{‏كَانُواْ قَلِيلاً مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ‏}‏ قال‏:‏ ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلاّ يصلون فيها‏.‏ وأخرج ابن نصر، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً في الآية يقول‏:‏ قليلاً ما كانوا ينامون‏.‏ وأخرج أبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن أنس في الآية قال‏:‏ كانوا يصلون بين المغرب والعشاء‏.‏ وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر ‏{‏وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏ قال‏:‏ يصلون‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏فِى أموالهم حَقٌّ‏}‏ قال‏:‏ سوى الزكاة يصل بها رحماً، أو يقري بها ضيفاً، أو يعين بها محروماً‏.‏ وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال‏:‏ السائل الذي يسأل الناس، والمحروم الذي ليس له سهم من فيء المسلمين‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال‏:‏ المحروم هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، ولا يسأل الناس، فأمر الله المؤمنين برفده‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة في الآية قالت‏:‏ هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه‏.‏ وأخرج الترمذي، والبيهقي في سننه عن فاطمة بنت قيس، أنها سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قال‏:‏ «إن في المال حقاً سوى الزكاة»، وتلا هذه الآية ‏{‏لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَفِي الرقاب وَأَقَامَ الصلاة وَءاتَى الزكواة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 177‏]‏‏.‏ وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن الزبير في قوله‏:‏ ‏{‏وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ‏}‏ قال‏:‏ سبيل الغائط والبول‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 37‏]‏

‏{‏هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ‏(‏24‏)‏ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ‏(‏25‏)‏ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ‏(‏26‏)‏ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ‏(‏27‏)‏ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ‏(‏28‏)‏ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ‏(‏29‏)‏ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ‏(‏30‏)‏ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ‏(‏31‏)‏ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ‏(‏32‏)‏ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ ‏(‏33‏)‏ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ‏(‏34‏)‏ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏35‏)‏ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏36‏)‏ وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم المكرمين‏}‏ ذكر سبحانه قصة إبراهيم؛ ليبين أنه أهلك بسبب التكذيب من أهلك‏.‏ وفي الاستفهام تنبيه على أن هذا الحديث ليس مما قد علم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما علمه بطريق الوحي‏.‏ وقيل‏:‏ إن «هل» بمعنى «قد»، كما في قوله‏:‏ ‏{‏هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 1‏]‏ والضيف مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، وقد تقدم الكلام على قصة ضيف إبراهيم في سورة هود، وسورة الحجر، والمراد بكونهم مكرمين‏:‏ أنهم مكرمون عند الله سبحانه؛ لأنهم ملائكة جاءوا إليه في صورة بني آدم، كما قال تعالى في وصفهم في آية أخرى‏:‏ «بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ» ‏[‏الأنبياء‏:‏ 26‏]‏ وقيل‏:‏ هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل‏.‏ وقال مقاتل، ومجاهد‏:‏ أكرمهم إبراهيم وأحسن إليهم وقام على رؤوسهم، وكان لا يقوم على رؤوس الضيف، وأمر امرأته أن تخدمهم‏.‏ وقال الكلبي‏:‏ أكرمهم بالعجل ‏{‏إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ‏}‏ العامل في الظرف ‏{‏حديث‏}‏ أي‏:‏ هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه، أو العامل فيه‏:‏ ‏{‏ضيف‏}‏ لأنه مصدر، أو العامل فيه‏:‏ ‏{‏المكرمين‏}‏، أو العامل فيه‏:‏ فعل مضمر أي‏:‏ اذكر ‏{‏فَقَالُواْ سَلامًا‏}‏ أي‏:‏ نسلم عليك سلاماً ‏{‏قَالَ سلام‏}‏ أي‏:‏ قال إبراهيم سلام‏.‏ قرأ الجمهور بنصب ‏{‏سلاماً‏}‏ الأول، ورفع الثاني، فنصب الأوّل على المصدرية بتقدير الفعل كما ذكرنا، والمراد به‏:‏ التحية، ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ فقالوا كلاماً حسناً؛ لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو، فيكون على هذا مفعولاً به‏.‏ وأما الثاني‏:‏ فرفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي‏:‏ عليكم سلام، وعدل به إلى الرفع لقصد إفادة الجملة الاسمية للدوام والثبات، بخلاف الفعلية فإنها لمجرد التجدّد والحدوث، ولهذا قال أهل المعاني‏:‏ إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة، وقرئ بالرفع في الموضعين، وقرئ بالنصب فيهما‏.‏ وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصماً بكسر السين، وقرئ ‏(‏سلم‏)‏ فيهما، ‏{‏قَوْمٌ مُّنكَرُونَ‏}‏ ارتفاع قوم على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ أنتم قوم منكرون‏.‏ قيل‏:‏ إنه قال هذا في نفسه ولم يخاطبهم به؛ لأن ذلك يخالف الإكرام‏.‏ قيل‏:‏ إنه أنكرهم لكونهم ابتدءوا بالسلام، ولم يكن ذلك معهوداً عند قومه، وقيل‏:‏ لأنه رأى فيهم ما يخالف بعض الصور البشرية، وقيل‏:‏ لأنه رآهم على غير صورة الملائكة الذين يعرفهم، وقيل غير ذلك‏.‏ ‏{‏فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ‏}‏ قال الزجاج‏:‏ أي‏:‏ عدل إلى أهله، وقيل‏:‏ ذهب إليهم في خفية من ضيوفه، والمعنى متقارب، وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات‏.‏ يقال‏:‏ راغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا يريغ أي‏:‏ يريد ويطلب، وأراغ إلى كذا‏:‏ مال إليه سرًّا وحاد ‏{‏فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ‏}‏ أي‏:‏ فجاء ضيفه بعجل قد شواه لهم، كما في سورة هود‏:‏

‏{‏بِعِجْلٍ حَنِيذٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 69‏]‏ وفي الكلام حذف تدل عليه الفاء الفصيحة، أي‏:‏ فذبح عجلاً فحنذه فجاء به ‏{‏فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ قرّب العجل إليهم ووضعه بين أيديهم فقَال‏:‏ ‏{‏أَلاَ تَأْكُلُونَ‏}‏ الاستفهام للإنكار، وذلك أنه لما قربه إليهم لم يأكلوا منه‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ العجل‏:‏ ولد البقر والعجول مثله، والجمع العجاجيل، والأنثى عجلة، وقيل‏:‏ العجل في بعض اللغات الشاة ‏{‏فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً‏}‏ أي‏:‏ أحسّ في نفسه خوفاً منهم لما لم يأكلوا مما قرّبه إليهم‏.‏ وقيل‏:‏ معنى أوجس‏:‏ أضمر، وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه‏.‏ ومن أخلاق الناس أن من أكل من طعام إنسان صار آمناً منه، فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشرّ، ولم يأتوا للخير‏.‏ وقيل‏:‏ إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة، فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف قالوا‏:‏ ‏{‏لاَ تَخَفْ‏}‏ وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه ‏{‏وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ‏}‏ أي‏:‏ بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال، والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق‏.‏ وقال مجاهد وحده‏:‏ إنه إسماعيل، وهو مردود بقوله‏:‏ ‏{‏وبشرناه بإسحاق‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 112‏]‏ وقد قدّمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره‏.‏ ‏{‏فَأَقْبَلَتِ امرأته فِى صَرَّةٍ‏}‏ لم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان، وإنما هو كقولك‏:‏ أقبل يشتمني، أي‏:‏ أخذ في شتمي، كذا قال الفراء، وغيره‏.‏ والصرّة‏:‏ الصيحة والضجة، وقيل‏:‏ الجماعة من الناس‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الصرّة‏:‏ الضجة والصيحة، والصرّة‏:‏ الجماعة، والصرّة‏:‏ الشدّة من كرب أو غيره، والمعنى‏:‏ أنها أقبلت في صيحة، أو في ضجة، أو في جماعة من الناس يستمعون كلام الملائكة، ومن هذا قول امرئ القيس‏:‏

فألحقه بالهاديات ودونه *** جراجرها في صرّة لم تزيل

وقوله‏:‏ ‏{‏فِى صَرَّةٍ‏}‏ في محل نصب على الحال ‏{‏فَصَكَّتْ وَجْهَهَا‏}‏ أي‏:‏ ضربت بيدها على وجهها، كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب‏.‏ قال مقاتل، والكلبي‏:‏ جمعت أصابعها، فضربت جبينها تعجباً‏.‏ ومعنى الصكّ‏:‏ ضرب الشيء بالشيء العريض، يقال‏:‏ صكه أي‏:‏ ضربه ‏{‏وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ كيف ألد وأنا عجوز عقيم‏؟‏ استبعدت ذلك لكبر سنها؛ ولكونها عقيماً لا تلد ‏{‏قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ‏}‏ أي‏:‏ كما قلنا لك وأخبرناك قال ربك، فلا تشكي في ذلك ولا تعجبي منه، فإن ما أراده الله كائن لا محالة، ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا، وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة، وقد سبق بيان هذا مستوفى، وجملة‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم‏}‏ تعليل لما قبلها أي‏:‏ حكيم في أفعاله وأقواله، عليم بكل شيء‏.‏ وجملة‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون‏}‏ مستأنفة جواباً عن سؤال مقدّر، كأنه قيل‏:‏ فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة‏؟‏ والخطب‏:‏ الشأن والقصة، والمعنى‏:‏ فما شأنكم وما قصتكم أيها المرسلون من جهة الله، وما ذاك الأمر الذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة‏؟‏ ‏{‏قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ‏}‏ يريدون‏:‏ قوم لوط‏.‏

‏{‏لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ‏}‏ أي‏:‏ لنرجمهم بحجارة من طين متحجر، وانتصاب ‏{‏مُّسَوَّمَةً‏}‏ على الصفة لحجارة، أو على الحال في الضمير المستكنّ في الجار والمجرور، أو من الحجارة؛ لكونها قد وصفت بالجار والمجرور، ومعنى ‏{‏مُّسَوَّمَةً‏}‏‏:‏ معلمة بعلامات تعرف بها، قيل‏:‏ كانت مخططة بسواد وبياض، وقيل‏:‏ بسواد وحمرة، وقيل‏:‏ معروفة بأنها حجارة العذاب، وقيل‏:‏ مكتوب على كل حجر من يهلك بها، وقوله‏:‏ ‏{‏عِندَ رَبّكَ‏}‏ ظرف لمسوّمة، أي‏:‏ معلمة عنده ‏{‏لِلْمُسْرِفِينَ‏}‏ المتمادين في الضلالة المجاوزين الحدّ في الفجور‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها‏.‏ ‏{‏فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين‏}‏ هذا كلام من جهة الله سبحانه، أي‏:‏ لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به ‏{‏فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين‏}‏ أي‏:‏ غير أهل بيت‏.‏ يقال‏:‏ بيت شريف ويراد به أهله، قيل‏:‏ وهم أهل بيت لوط، والإسلام‏:‏ الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه، فكل مؤمن مسلم، ومن ذلك قوله‏:‏ ‏{‏قَالَتِ الأعراب ءامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 14‏]‏ وقد أوضح الفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين، وغيرهما الثابت من طرق أنه سئل عن الإسلام، فقال‏:‏ «أن تشهد أن لا إله إلاَّ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان»، وسئل عن الإيمان، فقال‏:‏ «أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشرّه»، فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الذي قاله الصادق المصدوق، ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة مختلة متناقضة، وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان، فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية، والواجب تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية، والحقيقة الشرعية هي هذه التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب سؤال السائل له عن ذلك بها ‏{‏وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم‏}‏ أي‏:‏ وتركنا في تلك القرى علامة، ودلالة تدل على ما أصابهم من العذاب، كلّ من يخاف عذاب الله، ويخشاه من أهل ذلك الزمان ومن بعدهم، وهذه الآية هي آثار العذاب في تلك القرى، فإنها ظاهرة بينة، وقيل‏:‏ هي الحجارة التي رجموا بها، وإنما خصّ الذين يخافون العذاب الأليم؛ لأنهم الذين يتعظون بالمواعظ، ويتفكرون في الآيات دون غيرهم ممن لا يخاف ذلك وهم المشركون المكذبون بالبعث، والوعد والوعيد‏.‏

وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فِى صَرَّةٍ‏}‏ قال‏:‏ في صيحة ‏{‏فَصَكَّتْ وَجْهَهَا‏}‏ قال‏:‏ لطمت‏.‏ وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين‏}‏ قال‏:‏ لوط وابنتيه‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال‏:‏ كانوا ثلاثة عشر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 60‏]‏

‏{‏وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏38‏)‏ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ‏(‏39‏)‏ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ‏(‏40‏)‏ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ‏(‏41‏)‏ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ‏(‏42‏)‏ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ‏(‏43‏)‏ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ‏(‏44‏)‏ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ ‏(‏45‏)‏ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ‏(‏46‏)‏ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ‏(‏47‏)‏ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ‏(‏48‏)‏ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ‏(‏49‏)‏ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ‏(‏50‏)‏ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ‏(‏51‏)‏ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ‏(‏52‏)‏ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ‏(‏53‏)‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ‏(‏54‏)‏ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏55‏)‏ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ‏(‏56‏)‏ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ‏(‏57‏)‏ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ‏(‏58‏)‏ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ ‏(‏59‏)‏ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَفِى موسى‏}‏ معطوف على قوله‏:‏ ‏{‏فيها‏}‏ بإعادة الخافض، والتقدير‏:‏ وتركنا في قصة موسى آية، أو معطوف على ‏{‏وَفِى الأرض‏}‏ والتقدير‏:‏ وفي الأرض، وفي موسى آيات، قاله الفراء، وابن عطية، والزمخشري‏.‏ قال أبو حيان‏:‏ وهو بعيد جداً ينزّه القرآن عن مثله، ويجوز أن يكون متعلقاً بجعلنا مقدّراً لدلالة وتركنا عليه قيل‏:‏ ويجوز أن يعطف على ‏{‏وَتَرَكْنَا‏}‏ على طريقة قول القائل‏:‏

علفتها تبناً وماء بارداً *** والتقدير‏:‏ وتركنا فيها آية، وجعلنا في موسى آية‏.‏ قال أبو حيان‏:‏ ولا حاجة إلى إضمار، وجعلنا لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور وتركنا‏.‏ والوجه الأوّل هو الأولى، وما عداه متكلف متعسف لم تلجئ إليه حاجة، ولا دعت إليه ضرورة ‏{‏إِذْ أرسلناه إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ‏}‏ الظرف متعلق بمحذوف هو نعت لآية، أي‏:‏ كائنة وقت أرسلناه، أو بآية نفسها، والأوّل أولى‏.‏ والسلطان المبين‏:‏ الحجة الظاهرة الواضحة، وهي العصا، وما معها من الآيات ‏{‏فتولى بِرُكْنِهِ‏}‏ التولي‏:‏ الإعراض، والركن‏:‏ الجانب، قاله الأخفش‏.‏ والمعنى‏:‏ أعرض بجانبه، كما في قوله‏:‏ ‏{‏أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 83‏]‏ قال الجوهري‏:‏ ركن الشيء‏:‏ جانبه الأقوى، وهو يأوي إلى ركن شديد، أي‏:‏ عزّ ومنعة‏.‏ وقال ابن زيد، ومجاهد، وغيرهما‏:‏ الركن‏:‏ جمعه وجنوده الذين كان يتقوّى بهم، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ آوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 80‏]‏ أي‏:‏ عشيرة ومنعة، وقيل‏:‏ الركن‏:‏ نفس القوّة، وبه قال قتادة وغيره، ومنه قول عنترة‏:‏

فما أوهى مراس الحرب ركني *** ولكن ما تقادم من زماني

‏{‏وَقَالَ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ‏}‏ أي‏:‏ قال فرعون في حقّ موسى‏:‏ هو ساحر، أو مجنون، فردّد فيما رآه من أحوال موسى بين كونه ساحراً، أو مجنوناً، وهذا من اللعين مغالطة وإيهام لقومه، فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسر على يد ساحر، ولا يفعله من به جنون‏.‏ وقيل‏:‏ إن «أو» بمعنى الواو؛ لأنه قد قال ذلك جميعاً ولم يتردّد، قاله المؤرج، والفرّاء، كقوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 24‏]‏‏.‏ ‏{‏فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم فِى اليم‏}‏ أي‏:‏ طرحناهم في البحر، وجملة‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏}‏ في محل نصب على الحال، أي‏:‏ آت بما يلام عليه حين ادّعى الربوبية، وكفر بالله وطغى في عصيانه ‏{‏وَفِى عَادٍ‏}‏ أي‏:‏ وتركنا في قصة عاد آية ‏{‏إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم‏}‏ وهي التي لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجراً ولا تحمل مطراً، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب‏.‏ ثم وصف سبحانه هذه الريح فقال‏:‏ ‏{‏مَا تَذَرُ مِن شَئ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم‏}‏ أي‏:‏ ما تذر من شيء مرّت عليه من أنفسهم، وأنعامهم، وأموالهم إلاّ جعلته كالشيء الهالك البالي‏.‏

قال الشاعر‏:‏

تركتني حين كفّ الدهر من بصري *** وإذ بقيت كعظم الرّمة البالي

وقال قتادة‏:‏ إنه الذي ديس من يابس النبات، وقال السديّ، وأبو العالية‏:‏ إنه التراب المدقوق، وقال قطرب‏:‏ إنه الرماد، وأصل الكلمة من رمّ العظم‏:‏ إذا بلي فهو رميم، والرّمة‏:‏ العظام البالية‏.‏ ‏{‏وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ‏}‏ أي‏:‏ وتركنا في قصة ثمود آية وقت قلنا لهم‏:‏ عيشوا متمتعين بالدنيا إلى حين وقت الهلاك، وهو ثلاثة أيام، كما في قوله‏:‏ ‏{‏تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 65‏]‏‏.‏ ‏{‏فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ‏}‏ أي‏:‏ تكبروا عن امتثال أمر الله ‏{‏فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة‏}‏ وهي كل عذاب مهلك‏.‏ قرأ الجمهور ‏{‏الصاعقة‏}‏ وقرأ عمر بن الخطاب، وحميد، وابن محيصن، ومجاهد، والكسائي ‏(‏الصعقة‏)‏، وقد مرّ الكلام على الصاعقة في البقرة، وفي مواضع ‏{‏وَهُمْ يَنظُرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يرونها عياناً، والجملة في محل نصب على الحال، وقيل‏:‏ إن المعنى‏:‏ ينتظرون ما وعدوه من العذاب، والأوّل أولى ‏{‏فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ‏}‏ أي‏:‏ لم يقدروا على القيام‏.‏ قال قتادة‏:‏ من نهوض، يعني‏:‏ لم ينهضوا من تلك الصرعة، والمعنى‏:‏ أنهم عجزوا عن القيام فضلاً عن الهرب‏.‏ ومثله قوله‏:‏ ‏{‏فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 78‏]‏ ‏{‏وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ ممتنعين من عذاب الله بغيرهم ‏{‏وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ من قبل هؤلاء المهلكين، فإن زمانهم متقدّم على زمن فرعون، وعاد وثمود ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين‏}‏ أي‏:‏ خارجين عن طاعة الله‏.‏ قرأ حمزة، والكسائي، وأبو عمرو بخفض ‏(‏قوم‏)‏ أي‏:‏ وفي قوم نوح آية‏.‏ وقرأ الباقون بالنصب‏.‏ أي‏:‏ وأهلكنا قوم نوح، أو هو معطوف على مفعول أخذتهم الصاعقة، أو على مفعول نبذناهم أي‏:‏ نبذناهم، ونبذنا قوم نوح، أو يكون العامل فيه اذكر‏.‏ ‏{‏والسماء بنيناها بِأَيْدٍ‏}‏ أي‏:‏ بقوّة وقدرة، قرأ الجمهور بنصب ‏{‏السماء‏}‏ على الاشتغال، والتقدير‏:‏ وبنينا السماء بنيناها‏.‏ وقرأ أبو السماك، وابن مقسم برفعها على الابتداء ‏{‏وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ‏}‏ الموسع ذو الوسع‏:‏ والسعة، والمعنى‏:‏ إنا لذو سعة بخلقها، وخلق غيرها لا نعجز عن ذلك، وقيل‏:‏ لقادرون، من الوسع بمعنى‏:‏ الطاقة والقدرة، وقيل‏:‏ إنا لموسعون الرزق بالمطر‏.‏ قال الجوهري‏:‏ وأوسع الرجل‏:‏ صار ذا سعة وغنى ‏{‏والأرض فرشناها‏}‏ قرأ الجمهور بنصب ‏{‏الأرض‏}‏ على الاشتغال‏.‏ وقرأ أبو السماك، وابن مقسم برفعها، كما تقدّم في قوله‏:‏ ‏{‏والسماء بنيناها‏}‏ ومعنى ‏{‏فرشناها‏}‏‏:‏ بسطناها كالفراش ‏{‏فَنِعْمَ الماهدون‏}‏ أي‏:‏ نحن، يقال مهدت الفراش‏:‏ بسطته ووطأته، وتمهيد الأمور‏:‏ تسويتها وإصلاحها ‏{‏وَمِن كُلّ شَئ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ صنفين، ونوعين من ذكر وأنثى، وبرّ وبحر، وشمس وقمر، وحلو ومرّ، وسماء وأرض، وليل ونهار، ونور وظلمة، وجنّ وإنس، وخير وشرّ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ أي‏:‏ خلقنا ذلك هكذا لتتذكروا، فتعرفوا أنه خالق كل شيء، وتستدلوا بذلك على توحيده، وصدق وعده ووعيده‏.‏

‏{‏فَفِرُّواْ إِلَى الله إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ قل لهم يا محمد‏:‏ ففرّوا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي، وجملة‏:‏ ‏{‏إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ‏}‏ تعليل للأمر بالفرار، وقيل‏:‏ معنى ‏{‏فَفِرُّواْ إِلَى الله‏}‏ اخرجوا من مكة‏.‏ وقال الحسين بن الفضل‏:‏ احترزوا من كل شيء غير الله، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه‏.‏ وقيل‏:‏ فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن، وقيل‏:‏ فرّوا من الجهل إلى العلم، ومعنى‏:‏ ‏{‏إِنّى لَكُمْ مّنْهُ‏}‏ أي‏:‏ من جهته منذر بين الإنذار ‏{‏وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ‏}‏ نهاهم عن الشرك بالله بعد أمرهم بالفرار إلى الله، وجملة ‏{‏إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ‏}‏‏:‏ تعليل للنهي‏.‏ ‏{‏كَذَلِكَ مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ‏}‏ في هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان أن هذا شأن الأمم المتقدمة وأن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله، ووصفه بالسحر، والجنون قد كان ممن قبلهم لرسلهم، و‏{‏كذلك‏}‏ في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ الأمر كذلك‏.‏ ثم فسر ما أجمله بقوله‏:‏ ‏{‏مَا أَتَى‏}‏ إلخ، أو في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف، أي‏:‏ أنذركم إنذاراً كإنذار من تقدّمني من الرسل الذين أنذروا قومهم، والأوّل أولى ‏{‏أَتَوَاصَوْاْ بِهِ‏}‏ الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والتعجيب من حالهم، أي‏:‏ هل أوصى أوّلهم آخرهم بالتكذيب، وتواطئوا عليه‏؟‏ ‏{‏بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغون‏}‏ إضراب عن التواصي إلى ما جمعهم من الطغيان أي‏:‏ لم يتواصوا بذلك، بل جمعهم الطغيان، وهو مجاوزة الحدّ في الكفر‏.‏ ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم، فقال‏:‏ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ أعرض عنهم، وكفّ عن جدالهم، ودعائهم إلى الحق، فقد فعلت ما أمرك الله به وبلغت رسالته ‏{‏فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ‏}‏ عند الله بعد هذا؛ لأنك قد أدّيت ما عليك، وهذا منسوخ بآية السيف‏.‏ ثم لما أمره بالإعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير، والموعظة بالتي هي أحسن فقال‏:‏ ‏{‏وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين‏}‏ قال الكلبي‏:‏ المعنى‏:‏ عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ عظ كفار مكة فإن الذكرى تنفع من كان في علم الله أنه يؤمن‏.‏ وقيل‏:‏ ذكرهم بالعقوبة وأيام الله، وخصّ المؤمنين بالتذكير لأنهم المنتفعون به‏.‏ وجملة ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏‏:‏ مستأنفة مقرّرة لما قبلها‏.‏ أن كون خلقهم؛ لمجرّد العبادة مما ينشط رسول الله للتذكير، وينشطهم للإجابة‏.‏ قيل‏:‏ هذا خاصّ في من سبق في علم الله سبحانه أنه يعبده، فهو عموم مراد به الخصوص‏.‏

قال الواحدي‏:‏ قال المفسرون‏:‏ هذا خاصّ لأهل طاعته، يعني‏:‏ من أُهِّل من الفريقين‏.‏ قال‏:‏ وهذا قول الكلبي، والضحاك، واختيار الفراء، وابن قتيبة‏.‏ قال القشيري‏:‏ والآية دخلها التخصيص بالقطع؛ لأن المجانين لم يؤمروا بالعبادة، ولا أرادها منهم، وقد قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 179‏]‏ ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة‏.‏ فالآية محمولة على المؤمنين منهم، ويدل عليه قراءة ابن مسعود، وأبيّ بن كعب‏:‏ ‏(‏وما خلقت الجنّ والإنس من المؤمنين إلاّ ليعبدون‏)‏‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ إن المعنى‏:‏ إلاّ ليعرفوني‏.‏ قال الثعلبي‏:‏ وهذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده‏.‏ وروي عن مجاهد أنه قال‏:‏ المعنى‏:‏ إلاّ لآمرهم وأنهاهم، ويدل عليه قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إلها واحدا لاَّ إله إِلاَّ هُوَ سبحانه عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 31‏]‏ واختار هذا الزجاج‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة، فخلق السعداء من الجن والإنس للعبادة، وخلق الأشقياء للمعصية‏.‏ وقال الكلبي‏:‏ المعنى‏:‏ إلاّ ليوحدون، فأما المؤمن، فيوحده في الشدّة والرخاء، وأما الكافر، فيوحده في الشدّة دون النعمة، كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 32‏]‏ وقال جماعة‏:‏ إلاّ ليخضعوا لي ويتذللوا، ومعنى العبادة في اللغة‏:‏ الذل والخضوع والانقياد، وكل مخلوق من الإنس والجنّ خاضع لقضاء الله متذلل لمشيئته منقاد لما قدّره عليه‏.‏ خلقهم على ما أراد، ورزقهم كما قضى، لا يملك أحد منهم لنفسه نفعاً، ولا ضرًّا‏.‏ ووجه تقديم الجن على الإنس ها هنا تقدم وجودهم‏.‏ ‏{‏مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ‏}‏ هذه الجملة فيها بيان استغنائه سبحانه عن عباده، وأنه لا يريد منهم منفعة، كما تريده السادة من عبيدهم، بل هو الغنيّ المطلق الرازق المعطي‏.‏ وقيل المعنى‏:‏ ما أريد منهم أن يرزقوا أحداً من خلقي، ولا أن يرزقوا أنفسهم، ولا يطعموا أحداً من خلقي، ولا يطعموا أنفسهم، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله، فمن أطعم عيال الله، فهو كمن أطعمه‏.‏ وهذا كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يقول الله‏:‏ عبدي استطعمتك فلم تطعمني»، أي‏:‏ لم تطعم عبادي، و‏"‏ من ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏{‏مِن رّزْقِ‏}‏ زائدة لتأكيد العموم‏.‏ ثم بيّن سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الله هُوَ الرزاق‏}‏ لا رزاق سواه، ولا معطي غيره، فهو الذي يرزق مخلوقاته، ويقوم بما يصلحهم فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة ‏{‏ذُو القوة المتين‏}‏ ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق، أو لذو، أو خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر‏.‏ قرأ الجمهور‏:‏ ‏{‏الرزاق‏}‏ وقرأ ابن محيصن‏:‏ ‏(‏الرازق‏)‏ وقرأ الجمهور ‏{‏المتين‏}‏ بالرفع، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش بالجرّ صفة للقوّة، والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي‏.‏

قال الفراء‏:‏ كان حقه المتينة فذكرها؛ لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل، يقال‏:‏ حبل متين، أي‏:‏ محكم الفتل، ومعنى المتين‏:‏ الشديد القوّة هنا ‏{‏فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم‏}‏ أي‏:‏ ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فإن لهم ذنوباً، أي‏:‏ نصيباً من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال‏:‏ يوم ذنوب، أي‏:‏ طويل الشرّ لا ينقضي، وأصل الذنوب في اللغة‏:‏ الدلو العظيمة، ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر‏:‏

لعمرك والمنايا طارقات *** لكلّ بني أب منها ذنوب

وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير، فهو تمثيل جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب، قاله ابن قتيبة ‏{‏فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ‏}‏ أي‏:‏ لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب، كما في قولهم‏:‏ ‏{‏فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 70‏]‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذى يُوعَدُونَ‏}‏ قيل‏:‏ هو يوم القيامة، وقيل‏:‏ يوم بدر، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها‏.‏

وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر في قوله‏:‏ ‏{‏فتولى بِرُكْنِهِ‏}‏ عن ابن عباس قال‏:‏ بقومه‏.‏ وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏الريح العقيم‏}‏ قال‏:‏ الشديدة التي لا تلقح شيئًا‏.‏ وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال‏:‏ لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، وفي قوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم‏}‏ قال‏:‏ كالشيء الهالك‏.‏ وأخرج الفريابي، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال‏:‏ الريح العقيم‏:‏ النكباء‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏والسماء بنيناها بِأَيْدٍ‏}‏ قال‏:‏ بقوّة‏.‏ وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ‏}‏ قال‏:‏ أمره الله أن يتولى عنهم ليعذبهم، وعذر محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏:‏ ‏{‏وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين‏}‏، فنسختها‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ قال‏:‏ ليقرّوا بالعبودية طوعاً أو كرهاً‏.‏ وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال‏:‏ على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي، وشقوتي وسعادتي‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً في قوله‏:‏ ‏{‏المتين‏}‏ يقول‏:‏ الشديد‏.‏ وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله‏:‏ ‏{‏ذَنُوباً‏}‏ قال‏:‏ دلواً‏.‏